(بعد عامين من الانقلاب)
- أدار سايبي مفتاح الزنزانة الحديدية الكبيرة و تناول صينية خشبية عليها بعض قطع الخبز و كوبا من الماء ثم دخل الزنزانة وخاطب الرجل الهزيل الجالس في الركن المواجه للبوابة : لقد أحضرت لك الطعام يا سيد يونج
نظر إليه يونج في هدوء و قد بدا و كأنه قد مرت عليه خمسون سنة وليس سنتان فقط و قال : اجلس يا سايبي فأنا أريد ان أتحدث إليك
جلس سايبي و أنتظر أن يبدأ يونج بالكلام فقال : ربما كان يجب علي أن استمع لرأيك يا سايبي: الفلاحون لا ينسون والجنود لا يشبعون, فعلى الرغم من كل الصلاحيات التي أعتيطها للفلاحين فقد أرادوا أكثر منها تعويضا لهم عن هؤلاء الذين أحترقوا في آش بينما الجنود كانوا يعلمون أنهم هم الذين يحمونني من سخط الفلاحين فكانوا يؤلبونهم عليَ لكي يبتزوني و يطلبوا المزيد من الأموال وفي النهاية اجتمع الكل ضدي و ألقوا بي إلي هنا.
لم يشأ سايبي أن يقاطعه فصمت ولكنه اضطر إلى الحديث عندما توجه إليه يونج قائلا: ما رأيك يا سايبي؟ كيف يمكن قيادة هؤلاء؟
- ما زلت عند رأيي يا سيدي, إنه الإيمان.
- ثم تابع: ليس الإيمان بالأساطير ولا بالقوة والأموال, إنه الإيمان بقوة كبرى يمدهم بها الإله, قوة تحكمهم بالعدل والحق, قوة يتحاكم إليها القوي والضعيف فتنصر المظلوم ولو كان هو الضعيف, قوة تحفزهم على القتال في سبيل الحق والعدل وتعد من يفعل ذلك بالعز والتمكين في حياته الأولى و النعيم الدائم في الحياة الأخرى, قوة تتوعد من يتخاذل ويتقاعس بالذل والمهانة في الحياة الأولى والعذاب المقيم في الحياة الثانية, قوة لو آمنوا بها ورعوها لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم, لو آمنوا بها لغلب العشرون مئتين و المئة ألفا من غير المؤمنين, قوة خالدة لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها.
- نظر إليه يونج متأملا ثم قال: أنت تتحدث عن معجزة يا سايبي.
- نعم, ستكون أعظم معجزة في التاريخ وحتى تتحقق فلن يكون هناك سلام ولا عدل.
- وماذا لو جاءت لقوم ثم لم يؤمنوا بها؟
- هم إذا لا يستحقون العيش, وحينئذ ستختار هي من يستحقها.
سكت يونج ثم مد بصره من النافذة أمامه إلى الأفق الواسع ثم تمتم في صوت خافت:
- نعم يا سايبي, و إلى أن يحدث ذلك فما علينا سوى انتظارها .......
انتظارالمعجزة.........