سهر البنات
بقلم الشيخ : علي الطنطاوي – رحمه الله
لي بنت مولعة بالسهر ، لا تستطيع أن تأوي إلى فراشها حتى يدخل كل من في الدار فراشه ، ولا تقدر أن تغمض عينيها ، وفي المنزل أحد مفتوحة عيناه ، وقد جربنا فيها الأساليب ، وبلونا معها الحِيَل ، فلم ينفع معها ترغيب ولا ترهيب ، حتى أخذ ذلك من لون خدَّيها ، ومن بريق عينيها ، ونال من صحتها …
وسألت إخواني فوجدت أكثرهم يلقى من أولاده – من كرههم للنوم وحبهم للسهر- مثل الذي ألقى منها ، ولم أجد عندهم دواء لهذا الداء …
ففكرت ، فخطر لي خاطر.
فقلتُ لأُمَّ البنت : أنا أستطيع أن أحبَّب إلى بنتك المنام ، وأكرِّه إليها السهر ، ولكن الدواء مرّ ، فهل تعدينني ألا تأخذك بها رأفة إذا أنا جرعتها هذا الدواء ؟
فقالت : نعم .
ولم تكن لتخالفني في شيء ، ولكن أحببت أن أتوثق ، ثم دعوت البنت فقلت :
- عنان !
- قالت : نعم.
- قلت : سنسهر الليلة، فهل تحبين أن تسهري معنا ؟ ففرحت وأشرق وجهها ، وجعلت تقفز من الابتهاج وتقول :
- إي بابا ، إي أرجوك يا بابا…
- قلت : ولا تتأخرين في القيام إلى المدرسة صباحاً؟
- قالت : لا ، لا والله ، جرَّبني …
- قلت : أسمح لك بالسهر ، ولكن بشرط واحد ، فجزعت قليلا ، وقالت : ماهو ؟
- قلت : ألاَّ تنامي حتى أنام أنا.
فعاودها الفرح ، لما تتصور من مسرات السهرة ومباهجها وقالت :
- قبلت ….
وامتدت السهرة ، وتعمدت أن أحشد فيها كل ما تحبه البنت من قصص حلوة ، وألاعيب ، وأنقال ، حتى نعست ، وكادت تنام في مكانها ، ثم نامت …
- فقالت: أمها : لقد نامت أفأحملها إلى سريرها ؟
- قلت: هيهات ، الآن بدأ العلاج ، فشدي أعصابك ، وعمدت إلى البنت فهززتها حتى أيقظتها ، فاستيقظت مكرهة ، ومرت ربع ساعة ، فعادت إلى المنام ، وعدت إلى إيقاظها ، وتكرر ذلك حتى صارت تتوسل إليَّ ، وتقبَّل يدي أن أدعها تنام ، وأنا أقول لها بدم بارد :
- لا ، السهر أحلى ، ألا تحبين السهر ؟ ، حتى قالت : لا ، لا أحبه ، لا أحبه ، (بدي أنام) ، وانطلقت تبكي …
وبرئت البنت من علة السهر ، من تلك الليلة